Print

دروب دمشق .. سورية وراء الأكاذيب الإعلامية
By Marie-Ange Patrizio
Global Research, May 13, 2012
13 May 2012
Url of this article:
https://www.globalresearch.ca/1583-1585-1608-1576-1583-1605-1588-1602-1587-1608-1585-1610-1577-1608-1585-1575-1569-1575-1604-1571-1603-1575-1584-1610-1576-1575-1604-1573-1593-1604-1575-1605-1610-1577/30829

Chemins de Damas : La Syrie derrière les mensonges médiatiques – par Marie-Ange Patrizio  2011-11-25


أصدقائي..
لقد عدت (يوم السبت 19 نوفمبر 2011) من رحلة دامت 06 أيام إلى سورية، بدعوة من كنائس الشرق، مرخص لها من قبل السلطات السورية، وبطلب -من جهتي- من الأم آغنس مريم دولاكروا، التي تعرفت إليها نهاية شهر افريل 2011 بعدما قرأتْ –على شبكة فولتير- ترجمتي لنص مقال د.لوزيردو: “ماذا يحدث في سورية”؟

وقد قدمت لنا التسهيلات بتعاون من تيري ميسان وشبكة فولتير.

هذا السفر، الذي كان مخصصا من اجل حوالي خمسين شخصا عند الانطلاق، وحصريا لصحافيي الإعلام الكاثوليكي، لم يحظ في النهاية سوى بـ15 شخصا، جاءوا من بلدان أجنبية: لم يكن من بينهم أي صحفي فرنسي محترف من الإعلام المكتوب أو المذاع أو المتلفز، فقط 05 بلجيكيين، صحفية أتت من مدريد، وآخر أمريكي.

ولم يستجب أي من الصحفيين الفرنسيين، ولم ينتهز أي منهم الفرصة للذهاب والاطلاع على ما يحدث ميدانيا في سورية. المفارقة الغريبة أن وسائل إعلامنا لا تفوّت أية فرصة لاتهام “الدكتاتور” الأسد و”نظامه” بعرقلة الصحفيين المستقلين عن الوصول إلى سورية.

إننا –إذن- نستطيع الإدلاء بشهاداتنا اليوم، ليس فقط كصحفيين وكمساهمين مختلفين، بإمكانهم الدخول رسميا إلى هذا البلد، ولكن للتدليل على ان هؤلاء الذين يشتكون من رقابة هذا النظام يرفضون هذه الفرصة الرائعة عندما تتاح لهم: تحت ذريعة حرية الصحافة، ألا يستطيعون الدخول عندما يستدعون؟؟.. ألا تكون الحرية مضمونة إلا بـ”التخفي” في بلد يحث الخطى نحو “الحرب الأهلية”؟؟

أعضاء الفريق الآخرون كانوا ممثلي جمعيات كاثوليكية (إيطاليا) أو مناضلين ناشطين على النت -ليسوا كاثوليكيين (جدا) في معظمهم- مع آخرين اقل ما نصفهم به أنهم ذوو مشارب سياسية متباينة.

ما أخاطبكم به اليوم متعلق بالحاجة الملحة إلى القيام بتقارير في هذا المقام، انه ليس روبورتاجا صحفيا -لأنني لست صحفية، وإنما طبيبة نفسانية ومترجمة- وإنما هو رسالة إلى الأصدقاء والزملاء، انه رسالة إلى هذا الزمن المنحاز غير الكرونولوجي، عما فاجأني في هذا البلد الجميل: ضخامة ثورة الأكاذيب غير المعقولة، التي تسوقها وسائل الإعلام هنا، حول الوضع في سورية.. أكاذيب تتعلق بـ”العمل وإخفاؤه” وكما يقال، هذه النقاط ستكون متبوعة لاحقا بقصة مفصلة حول محطات عدة من الرحلة، تبرز الوضع الحالي، وتدحض التسميم المدهش المتواصل منذ 08 أشهر بخصوص الأحداث الرامية إلى زعزعة هذا البلد.

قبل كل شيء، أشير إلى ان المنظمين أعدوا لنا أجندة حافلة (ومعلنة) ولكنها ليست إجبارية، طبعا: كل فرد من الفريق كان يمتلك إمكانية الحضور بكل حرية إلى كل ما دعينا إليه، أو ترك الفريق، كي يذهب إلى ما شاء الذهاب إليه، دون ان يكون مجبرا على الإفصاح عن وجهته.

سأقول أيضا إنني لم اعرف ممن يتكون الفريق قبل ان أتواجد معهم هناك، ولم أجد أية عقبة (ما عدا الازدحام المروري الشديد، حتى في سورية، نعم حتى في هذه الأيام) بخصوص حرية التنقل، دون أية حراسة: وأقول إني اشتقت أحيانا إلى تلك الحراسة، التي كثر الحديث عنها هنا وهناك؟

لا أحسن العربية، وكنت راضية (غير خائبة أبدا) ببقائي في البرنامج المسطر (المتغير على الدوام تحت ضغط الأحداث)، بما فيه نصفا يومين استغليتهما لبعض السياحة: قمت باستغلال وقت فراغي في برنامج مكثف وشاق، ثقافيا معنويا وجسمانيا، للتجوال في مدينة دمشق، الرائعة.

لم نملك الوقت الكافي للقيام بالكثير من التجوال، في سان جاك أو القديس جاك المذبوح، بقارة، لم يكن لدينا سوى بضع ساعات خلال النهار للتنزه داخل وحول الدير، ولقد أسهمت بكل تواضع في إنهاء موسم قطف الزيتون (2 طن).

سأقول إذن في المقدمة: حرية التنقل.. نعم، خارج المركز الحدودي على طريق بيروت دمشق (الذي سأتطرق إليه لاحقا في محور “ماذا تفعل الشرطة”؟)، لم يستجوبنا احد، من ذاك الذي سمي استجوابا، ولم يتحدث إلينا عن حضورنا أو نوايانا. قد يسخر منا المتعالون.. طبعا..

أؤكد أيضا إني دفعت تكاليف رحلتي، لكني في سورية لم ادفع شيئا: صديقة سورية هناك قالت إنه لا يمكنني بأي حال من الأحوال ان ادفع فلسا، مهما كان الأمر، حسب طقوس الضيافة السورية.. مسيحية كنت أم غير ذلك.

ان حرية التنقل، بالنسبة إلى أغلبيتنا، ومن ضمننا الصحافيون المحترفون، كانت لتجد ما يحد منها، لسبب قوي وبسيط أيضا يحدث في كل مناطق العالم، وهو: أن تتكلم لغة البلد أو لا، والأمر هنا يتعلق بالعربية. إنني أتكلم انجليزية هشة، والسوريون يتكلمون الفرنسية أحيانا.

وفي كل التنقلات واللقاءات، العفوية أو المنظمة –بصفة خاصة- لم أكد أفارق موثقة جزائرية (تسكن بفرنسا)، تكرمت علينا بالترجمة، إضافة إلى عملها هناك (تصوير وتسجيل). المترجمة الأخرى –التي لم تكلّ- كانت آغنس مريم دو لاكروا. القارئ الناقد دون هوادة قد يقول إنها كانت تترجم ما تريد: بالطبع.

التسجيلات (التي قام بها صحفيون وموثقو الفريق) تمت باللغة العربية، مع ترجمة فورية، ستسمح بالاطلاع على مدى موثوقية الترجمة.

سأخبر أيضا عن تفاجئي من ان أقسام التحرير التي أرسلت بصحافييها (إلى سورية) لم تزودهم بخدمات مترجم، (كعنصر أساسي لعمل يصف نفسه بالاستقلالية..) منذ وصولهم إلى الميدان.

في الدير، وخلال بعض التنقلات، جعلت الأختان كارمل وكلير ماري، وإخوان من الجالية المسيحية -وأربعتهم فرانكوفونيون- إقامتنا أكثر راحة، لوجيستيكيا ومعنويا. شكرا لكم على تواجدكم الحار، الدائم والشجاع، الذي زيّن إقامتنا، وشكرا أيضا لسائقنا الصبور، الذي رافقنا من “قارة”، في مقاطعة حمص، حتى بانياس.

الحياة اليومية العادية، التي نلاحظها في الشارع، هي حياة شعب يتحمل عقوبات وحصارا: ليس سوى “إبادة بطيئة” على حد تعبير وابتسر تاربلاي. هذه العقوبات التي تبدو في شكل ميكانيزمات بنكية معقدة (لن اشرح هنا تعقيداتها) تؤدي إلى –من بين ما تؤدي إليه- ارتفاع سعر الوقود الضروري للتدفئة في هذا الطقس البارد الرطب هذه الأيام. هذا، دون الحديث عن الآثار الأخرى للعقوبات، التي لم يتوقف عندها محاورونا.

الناس يمضون إلى أعمالهم في هدوء كاف (أتحدث هنا عن الطريق، الأسواق، البازارات..الخ، في دمشق، وأيضا في الطرقات والمناطق الريفية)، ليجعلك تشعر بالراحة أيضا في الأزقة الخالية عند حلول الظلام، في الأسواق، أو في المعالم الجميلة، التي هجرها السياح، أو في المطاعم.

مطاعم –دون أدنى شك- اقل ارتيادا مما كانت عليه في الموسم السياحي، أو خلال اليوميات الدمشقية التقليدية (الاجتماعية أو غيرها)، لا يوجد سياح أجانب في سورية حاليا، والتجارة تتأثر بذلك بشكل معتبر.

وفيما عدا مرة واحدة تجولنا في دمشق داخل 05 سيارات ليموزين سوداء، وضعتها السلطات تحت تصرفنا، كنوع من المجاملة (وكانت تلك المرة الوحيدة التي تلقينا فيها خدمة لوجيستية من النظام)، لم يحرسنا احد ولم يراقبنا احد، كما لم يقم احد بحمايتنا. إني أؤكد ذلك على الرغم من خزعبلات قرأتها زعم كاتبوها العكس دون ان يقدموا أية تفصيلات.

سأعود لاحقا إلى قصة هذا الموكب الطريف في فقرة تحمل عنوان: “ماذا تفعل الشرطة”؟

لقد تهنا مرات عدة.. (كحراسة وحماية)، تصورت أمرا آخر (وانتظرت بسذاجة أشياء أخرى).

جو الحرب الأهلية، الذي أزعجتنا به وسائل إعلامنا، لم أجده أبدا هنا (وهذا أفضل)، واستطيع ان أقول إن بعض أعضاء مجموعتنا بحثوا عنه بجهد، وبحرية.. بحرية، كي يرضوا طلبات مسؤولي التحرير (في صحفهم).. إن كتابة أو قول هذه العبارة “لا توجد حرب أهلية في سورية” ستعتبر كذبا مبينا.

القول بأن هناك بداية لحرب أهلية يعني ان نكون على الأقل قد شاهدنا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أو حصلنا على شهادات حول مواجهات مسلحة كثيفة بين مجموعات ومواطنين، أو بين مواطنين وقوى امن (شرطة، جيش..الخ).. فالحرب الأهلية ليست مواجهة بين مجموعات آتية من الخارج وقوات أمن داخلية.. الأمر في هذه الحال يسمى “عدوانا عسكريا خارجيا”.

ستكون لنا فرصة للعودة إلى تجهيزات “الثائرين”.

إن الزملاء الصحفيين الذين قاموا بتوثيق هذا السفر قد اعترفوا –بأنفسهم- بالحقيقة، المرعبة، والقاسية في أساليبها، وبهذه الاختراقات الآتية من الخارج التي تقوم بها عصابات من القتلة. واعتمادا على الشهادات التي أشيعت حول هذا الرعب، تمنيت عدة مرات ان أكون مرافقة بحماية.

كوني اكتب اليوم، رغم ان سفرنا كان بطبيعة الحال مراقبا ومتتبعا من هؤلاء الذين يصدرون الأوامر، والأجانب، وفيالق الموت، هو الدليل –حتى الآن على الأقل- على أننا تجولنا بأمن ودون حاجة إلى حماية.

السوريون الذين التقيت لديهم على درجة كبيرة من كرم الضيافة: إنه بلد يطيب فيه التجوال حتى في مثل هذا الوقت، على الأقل في دمشق.

أما خارجها، فإن الأجواء التي عشناها لم تكن نتيجة ضغط ملموس، ولكننا –بحكم البلدان التي أتينا منها- كنا نحن من يعيش على أعصابه (في حمص وبانياس): لقد كنا لا نزال تحت تأثير ما سمعناه من قبل محدثين ضحايا فيالق الموت، أو تأثير الدعاية التي يصعب الإفلات منها في فرنسا وايطاليا واسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبلجيكا، حتى وان كنا ننتقد ما يصدر من وسائل الإعلام تلك.

وفي مدينتي حمص وبانياس، أين التقينا وسمعنا هؤلاء الضحايا أو أقرباءهم، مدنيين أو عسكريين، قتلوا، كان يجب بالطبع ان نكون حذرين.

المجموعة المتكونة من بعض المبعوثين الخاصين، الذين عادوا إلى حمص ثانية، مع آغنس مريم، تعطلت سيارتهم على بعد 10 كيلومترات من المدينة، عند حلول الظلام، وقد قصوا علينا ذلك في المساء، دون أية لمسة مأساوية، رغم أنهم خرجوا إلى بيت عائلة اختطف الإرهابيون رجلا منها وقتلوه.

وأثناء تنقلاتنا، كان من السهل ان نظهر كأجانب، سواء كان المارون –أم لم يكونوا- من أعوان الأمن.. هؤلاء الذين حدثونا عنهم كثيرا، والذين كان يجب ان يكونوا كتومين ومدربين جيدا.. إذا كانوا متواجدين حقا كما يقال (!) فنحن –إذن- لم نرهم ولم نسمعهم أبدا.

أو ربما كنا مخدرين، ومصابين بالعمى، بفعل التخدير الإيديولوجي !

لم نر أي سائح أجنبي طوال إقامتنا. لذلك، اعتقد –من جهتي- أننا نلنا بعض الشهرة.. خاصة وأننا كنا نتجول حاملين كاميرات وآلات تصوير ودفاتر صغيرة..الخ. طلب منا الأطفال –باحتشام- ان نأخذ معهم صورا، أما غير الأطفال، فقد يريدون ان نسجلهم، دون سابق تحضير، وبوجوه مكشوفة (هم ونحن)، وقد أعطونا (ونحن أيضا بادلناهم ذلك) أسماءهم وعناوينهم..إلخ.

وهذا عكس تماما ما أظهره روبورتاج بثته قناة “آرتي”، للسيدة صوفيا عمارة (التي أرجو منكم ان تشاهدوه على الانترنت، لتكوّنوا فكرة عن الهراء والخزعبلات التي تضمنها، قبل ان تحوله صاحبته –بانتهازية كبيرة- إلى روبورتاج حول حرب إنسانية حقيقية !!).

لقد كنا الفريق الصحفي الأول الذي يدخل سورية رسميا. وأقول “رسميا” لأشير إلى هؤلاء الصحفيين المزعومين الذين يدعون أنهم قد دخلوها بسرية (هذا ان صدقناهم، لأننا لا نملك أدلة على أنهم قضوا أياما في البلد): من حقنا –إذن- ان نتساءل ما هذه الاستقلالية التي يملكون، بالنظر إلى “فيالق الموت” التي تعيث جرما في بعض المدن، فهم الأسهل بالنسبة لها إذا كانوا قد وطدوا هناك قواعدهم الخلفية.

ويظهر المعارضون الحقيقيون للنظام أنفسهم علنا للتعريف بمطالبهم، من بينها: الانفتاح الرسمي للبلد.

ومنذ بداية محاولة زعزعة الاستقرار السوري، بدا لي أن من مصلحة النظام (العامة) ان يراقب الداخلين إلى البلاد: هناك الكثير من عصابات القتلة الذين يتوغلون، وليس غبيا كي يسمح بدخول أي كان، فقط ليثبت لأناس لا يريدون ان يعرفوا شيئا انه ليس دكتاتوريا.

أكثر الكلمات التي نسمعها عندما نلتقي بالناس هي: welcome، ويبدو أنها من التقاليد في سورية، ولكن هذا التقليد له معنى خاص هذه الأيام بالنسبة إلى الزوار، خاصة مع ما يسمعه السوريون من بلداننا: لأنهم لا يشاهدون قنوات ووسائل إعلامنا المفخخة بالأكاذيب فحسب، بل ويشاهدون ويعرفون نوايانا، ويشاهدون أيضا قنوات مستقلة ليست ملكا لـ”الممالك الحرة” في الخليج !! ولديهم وسائل إعلام يمكنها ان تكوّن لهم فكرة، سيما وأنهم متواجدون في الميدان، في البلد، على عكس صحافيين هنا (في أروبا) يلوكون ما تمليه عليهم رئاسة تحريرهم.

في الشارع، وبعد أن يقول لك الناس welcome، يقولون لك أيضا: we love el Assad، وإذا قدمتم لهم أنفسكم كفرنسيين فإنهم يقولون: SARKZY (وأحيانا آلان جوبي) bed, bed ..، مع إشارات من أيديهم بهذا المعنى بكل صراحة.

هل هذه أيضا دعاية؟ ان أغلبيتهم من الشباب، فهل خدرهم النظام وأعماهم؟ وهل إلى هذه الدرجة وهذه الشعبية؟!، في هذه الحال، فإنها ليست سوى دكتاتورية “شعبية” !

مجرد سؤال حول مستوى الوعي الإعلامي عند “المارة” في الأحياء “الدكتاتورية”..

وعندنا، أين تسود حرية الرأي والصحافة..الخ، من منكم هنا (ليس في أوساط الشارع بل بين أوساط العارفين) يعرف اسم وزير الخارجية السوري؟

بالنسبة إلى القارئ المندهش، أوضح أني أتكلم هنا ليس فقط عن أناس التقيتهم في مواعيد منتظمة، ولكن عن أناس التقيتهم طوال 06 أيام، في أحياء دمشق، مع المارة مع الناس، الذين يتسوقون، وفي الشوارع، وفي محطات لم تكن مبرمجة.. في أحياء “حمص”، حيث نزلنا إلى الشارع، بعد ان استقبلنا حاكمها، مع ممثلي المجتمع المسيحي وعضوين من المعارضة الموجودة في البلد، أعطانا كل واحد منهم اسمه ورقم هاتفه..

هل يمكن ان نقول أيضا انه سيناريو يضعه النظام؟ ربما، ولكن في هذه الحالة سنقول –إذن- إنها كوميديا منتقدة جدا ضد النظام، جديرة ان تبث عندنا في بعض البرامج الأكثر استقلالا عن الأغلبية الأخرى.

في كل الأحوال، وحتى بالنسبة إلى ممثلي المعارضة، الذين التقيناهم في حمص، هناك فرق في انتقاد النظام، إنهم يرون انه بحاجة إلى إصلاحات بشكل أوسع، وإنها إصلاحات يجب ان يقوموا هم بها إلى جانب الرئيس الأسد.

كل الأشخاص الذين التقيناهم صدفة، أو بصدفة مزعومة! وحتى وان كانت سورية كلها مراقبة بأجهزة الأمن أو بطريقة حزبية (مثلا: بعض أعضاء حزب البعث لم يصرحوا لنا بانتمائهم الحزبي، وهذا بديهي) كلهم متفقون على هذه النقطة: “المعارضة تصلح نظام الرئيس وتشاركه فيها).

ويبدو في كل الآراء التي سمعناها (بما في ذلك ما كان بيني وبين جارتي السورية في الطائرة، والتي تسكن فرنسا، منذ سنوات، واليها أرسل هذا النص) ان الرئيس بشار الأسد شخصيا بعيد عن حملة الانتقادات تلك الخاصة بالأنظمة الدكتاتورية.. وإلا، فإن نظامه ملتحم وسخي ليترك المسؤول الأول فيه بعيدا عن النقد ويتحمل هو كل ما قيل من انتقادات!!!

وأكثر ما فاجأني من الأكذوبة المفضوحة والأنانية لوسائل إعلامنا هنا هو أنها تصور بشار الأسد على انه دكتاتور وان شعبه يكرهه.

وفي كل ما سمعته عبر اللقاءات المبرمجة والعفوية من انتقادات حول النظام، وحول ما كان يتردد دائما وبقوة من بيروقراطية ورشوة وغياب حرية الكلمة..الخ، وجدت إنها كلها انتقادات يرجعوها قائلوها إلى النظام الذي وضعه والد بشار الأسد، ثم يضيفون مباشرة أنهم مستعدون للتخلي عن هذه الانتقادات بسبب الضرورة العاجلة للدفاع عن الوطن والأمة ضد عدوان خارجي، دفاعا عن مجتمعهم وحضارتهم، التي لا يتوقفون عن وصفهما بفخر بأنهما متنوعان منذ القدم، وان هذا ما يصنع صلابتهما.

لقد التقينا (بطريقة منظمة، نعم، ومعلنة ومتبناة) العديد من المسيحيين، لكن ليس هذا كل شيء.. ان الكل هنا متفق على النقطة التالية: إنهم يتحدثون أولا وقبل كل شيء كمواطنين سوريين، وليس كأفراد منتمين إلى هذا الدين أو ذاك، أو إلى تلك الجمعية أو ذلك الحزب، حتى إنهم كانوا يملكون شرف إعلان مشاربهم، وكذلك الأمر في مجالس الاكليروس (بكنائس الشرق) كان ذلك واضحا.
وما كان يتكرر دائما هو تحديدهم الدقيق لمهاجميهم الحقيقيين، الآتين من خرج الوطن: ممالك خليجية، قطر، أصوليون، رأسماليون في خدمة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، الذين يتم تعيينهم اسميا، في تحليل سياسي منطقي.

كل الشهادات والتصريحات (ما عدا استثناءات قليلة جدا) تمت بوجوه مكشوفة.. سنعود إلى هذا الموضوع لاحقا.

صباح يوم الأحد 13 نوفمبر 2011، حضرنا مظاهرة عملاقة كانت على وشك ان تنتهي، انطلقت على اثر قرار من الجامعة العربية (ولنقل بصراحة: جامعة عرب الخليج) يوم 12 نوفمبر يقضي بتجميد عضوية سورية فيها.

كل المواطنين السوريين الذين التقيناهم كانوا منقسمين إلى مستاء وغاضب وثائر. وصلنا إلى الشارع الكبير للمدينة، عندما أوشكت المظاهرة على أن تنتهي، وبقينا جالسين على رصيف يفصل بين طريقين متعاكستي الاتجاه، حوالي ساعتين من الوقت، كانت فيها جموع الناس تغادر المكان ،من خلال واحدة من الطرق الثلاثة الموجودة.

خلال ساعتين من المظاهرة، كنا نرى أشخاصا مبتسمين في أغلب الأحيان، أو مصحوبين بعائلاتهم، أو مجموعات من الشبان يأتون ويتكلمون معنا، دائما الكلمات نفسها.. “مرحبا”.. “نحن نحب الأسد”.. ويرددون الشعارات المنادى بها خلال المظاهرات، بكل مرح، ويرقصون أحيانا، كانت الفتيات يمسكنهم من الأذرع ويتناولن مرطبات.. كل شيء كان يجري في جو احتفالي، أحيانا.

حتى دون أن نتقن اللغة العربية، كنا ننتبه بسرعة إلى ظاهرة ملفتة للانتباه: لقد كانوا يكررون عبر مكبرات الصوت، ودون ملل، الشعارات التي قيلت من قبل ناشطين داخل المظاهرات أو خارجها.. “سورية”.. (إن كلمة سيريا SYRIA تـُلفظ هنا سورية SOURYA).

لقد فاجأتني أيضا جدية الشبان عندما يقفون مستعدين لأداء النشيد الوطني السوري، ليس لأنهم ربحوا مباراة في كرة القدم، بل دفاعا عن الأمة.

هل هم مجندون؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكم يمثلون من العدد الإجمالي الهائل للسكان الذين ينزلون إلى الشارع ويصطفون ليستمعوا إلى خطاب “دعاية”!!!

إنهم نشطون، يغنون، يرقصون، يلتقطون صورا.. أيتم ذلك بالإكراه كما يشاع؟ !!!

في يوم الأحد هذا، في دمشق، عندما وضعت سورية على هامش الجامعة العربية، تلقيت درسا، هذا مفاده: وطن.. وطنيون.. يعلنون (في أغلبيتهم الساحقة) حبهم لبشار الأسد، كل الذين هنا في أحياء دمشق (وهو ما لاحظناه في كل لقاءاتنا بصفة دائمة) هم قبل كل شيء وطنيون يدافعون عن أمتهم.

كانت تلك الموجات من الشعارات (بما في ذلك تلك “الموالية للأسد”)، بغض النظر عن واقع هذه السلطة التي لا أعرف عنها شيئا (حتى الآن)، لحظات رائعة مؤثرة من الرحلة. كان لها من القوة والجمال ما “لم نعد” نسمعه في بلداننا المثخنة بحرية التعبير، وحقوق التعبير.. وهلم جرا: إنها وحدة الشعب الواقف المتأهب، الواعي بما يهدده، وبما قد يخسره.

وسوف تستكمل هذه الانطباعات الأولية بتقارير أكثر تفصيلا ودقة حول ما رأيت وسمعت: أهي انطباعات وملاحظات منحازة؟ هل هناك من يزعم ذلك؟

وزير الشؤون الخارجية الفرنسية يريد “إنقاذ السوريين” المدنيين بإنشاء ممرات إنسانية.. إنه تدخل قد يقوده يوما ما إلى المحكمة الجنائية الدولية، مع زعماء عصابات قصر الإيليزي (مقر الرئاسة) والماتينيون (مقر الحكومة)، بتهمة التواطؤ في جرائم حرب (قتل أسرى حرب، بمن فيهم القذافي)، وجرائم ضد الإنسانية (الحصار المؤدي إلى إبادة)؟ برنار هنري ليفي؟ حسنا، سأقتصر في هذه الرسالة على فضح الكذب، ولن أتطرق إلى القذارة.

لقد قال لنا أحد معارضي النظام من حمص: “إننا، نحن السوريين من جميع الأطياف، تحت ‘غيتو’ إعلامي، تحت حصار إعلامي، ونحن نناشد هؤلاء الذين يشتغلون في مجال الإعلام، الذين يملكون ذرة من عدالة، ويحملون شيئا من المساواة في قلوبهم، أن يسعوا إلى إظهار الحقيقة.. نحن لا نريد شيئا سوى إظهار الحقيقة”.

ثم قرأت وسمعت ورأيت، منذ عودتي، بعض الروبورتاجات التي أنجزها زملاؤنا ‘المبعوثون الخاصون’، ممن كانوا معنا في سورية.. “جزء فقط من الحقيقة” قالها أحد هؤلاء، متجنبا حقيقة الحدث، ومتذرعا بأنهم لم يتمكنوا من رؤية “كل شيء” خلال هذا “السفر المعلَّـم جيدا” من قبل النظام، و”المفيد رغم ذلك”..

ألا يمكن ان نستشف من خلال هذه الكلمات القليلة أثرا للأجزاء الأخرى من الحقيقة.. متصوَّرة.. ولكنها مكتومة. سيكون لهؤلاء المحررين أسبابهم المختلفة، ولكن ألا يصنع ذلك الغموض عودة غير منتظرة للجزء الآخر من الحقيقة –من حيث لا يعلم الكاتب- محدثة آثارا ما؟

لدينا سوابق مشهورة في المنطقة.

وما دامت هناك إمكانية لذلك، فإن رؤساء تحرير وسائل إعلامنا الغربيين، الأوروبيين، الأمريكيين، الإسرائيليين، الامبرياليين، ممتلكي أسلحة الدمار الشامل، لن يخسروا شيئا إذا تمعنوا قليلا في التاريخ: لأن سورية كتاب نادر، وأظن أن سكانها يدافعون هنا عن هذا الثراء، أكثر مما يدافع هؤلاء عن آبار نفطهم.

استحضر قصتي انطلاقا مما سمعته هذا الأسبوع عن سورية في إعلامنا، وبالخصوص عن حمص: “صور مسترقة تعرض حياة ملتقطيها للخطر”.. “ما وراء البربرية”.. “ماذا بقي من المدينة؟”.. “لدينا صور عن مصر لكن لا شيء عن سورية، أو تقريبا لاشيء”.. وليس هناك شيء مهم بعد هذه الحصص والروبورتاجات.
وسوف أوضح قصتي، اليوم ومستقبلا، مستعينة ببعض الصور، دون تستر: ما يخصني منها وما يتعلق بالناس الذين صورتهم، بعد إذنهم أو بطلب منهم. وقد وضعت -طوال مراحل قصتي- التواريخ وأسماء الأماكن والناس الذين التقيتهم.. وبالنظر إلى همجية العدوان غير العقلاني ضد سورية، فإن جميع هؤلاء الشهود يعرفون أن لا شيء يمكن حمايتهم من المعتدين: يطلبون ان نقول -على الأقل- ما يحدث لهم.

أطلق عليهم تسمية “فرق الموت”، استنادا إلى المعلومات التي سمعناها جميعا (انظر تقارير صحفيينا البلجيكيين البعيدين عن شبهة التواطؤ الإيديولوجي مع النظام)، أقصد بها: مجموعات من المهاجمين القادمين من وراء الحدود، مسلحين في غالب الأحيان بأسلحة متطورة جدا ومكلفة، ويتطلبون بالتالي تدريبا عسكريا في معسكرات (لبنان، تركية) ويوظفون في الحال سوريين منجذبين إلى المال، هم: “مرتكبو جنح الحق العام” ، “مدمنو مخدرات” ، “مرضى عقليا” و”ضعاف نفسيا”.

بعض المتحدثين إلينا ذكروا أرقاما: 100 دولار للمظاهرة “السلمية” الواحدة ضد الحكومة، 400 دولار لإطلاق النار (والفظائع التي تنجر عن ذلك): ذلك يعادل متوسط الراتب الشهري للمواطن السوري.. من يدفع؟ من يدرب؟ من يصدر الأوامر؟

بعض الاقتراحات سيتم تقديمها من قبل الناس التي نلتقيها، وليس من مجهولين، وليس كما يقول د. “بوجاداس” و”مارتين لاروش جوبير”، مع صور “مسروقة” لبضع ثوان لكل منهما: “أنه صعب جدا، وخطير للغاية” التقاط الصور أو الأفلام في سورية”.. كل ذلك هراء، جميع أعضاء مجموعتنا الذين يمكنهم التحدث بحرية، أي دون رقابة أو أوامر من رؤساء تحريرهم، يمكن ان يشهدوا بذلك.

كما أنني طوال تفاصيل الرواية أعطي تفاصيل قد تبدو غير ضرورية أو غير لائقة، ولكنها تظهر على وجه الدقة إلى أي مدى كان يمكن لنا أن نلتقط الصور وأن نتحدث وأن نسجل مع المارة، وحتى التحرك في حمص وضواحيها، خلال الأسبوع الواقع بين 13 و19 نوفمبر2011. وإذا كنت لا أعطي أسماء الأماكن وأسماء الناس أحيانا بالتدقيق، فلأنني لم أتمكن من استيعاب لفظها العربي، أو لأن المعدات التي في حوزتي ليست مناسبة لعمل صحفي، أو أنها ناقصة. دفاتر وأقلام وكراسات تفي بالغرض عندما نكتب بسرعة، ولكننا بعد ذلك لا نتمكن من ان نقرأها ثانية قراءة صحيحة. يمكنكم الاستعاضة بنصوص أعمال المحررين الآخرين الذين كانوا أعضاء في الفريق.

غادرنا يوم الثلاثاء 16 نوفمبر عند نهاية الصبيحة دير القديس جاك (انظر موقع دير القديس جاك على الانترنت) للحصول على موعد على الساعة 13.00، مع محافظ منطقة حمص (ما يعادل حاكم مقاطعة عندنا). أخذنا طريق دمشق-حلب الذي يمر بحمص، طريق معبدة جيدا، توازي جزءا من جبال لبنان، المناظر الطبيعية مجدبة في ذلك اليوم المغيمة سماؤه الجميلة (كما في الصورة).

في ذلك البرد قطعنا حوالي نصف الطريق، توقفنا على الجانب، الذي يسمى هنا “ممر الطوارئ”. أخبرنا السائق أنه يمكننا شراء شيء نأكله، فهناك على حافة الطريق السريع محل صغير منزو، حيث يقوم رجل شاب بصنع البيتزا في فرن تقليدي: إنها بيتزا مطهوة على الرماد.

لقد اشترينا منها عشرة قطع بما يعادل أقل من 3 يورو.. بديع. لقد أكلناها بهدوء ونحن ندردش مع “البيتزاجي”، تعلمت يومها ان البيتزا لم تخترع في نابولي ولكن هنا في سورية. تحققنا منها، لأنه، هنا أيضا ، قد نكون ضحايا تسمم (الطعام.. النظام) ! البعض ابتعد عن الطريق بحثا عن “زاوية” صغيرة.

في الجهة الأخرى من الطريق، كان هناك نصب تذكاري للرئيس حافظ الأسد على تلة.

وصلنا حمص بعد حوالي ساعة بالسيارة، وبسرعة ثابتة وهادئة، لم يعترضنا سد واحد، ولم يكن هناك نقطة تفتيش واحدة لالتقاط صور.. وفي الساحة المستديرة، عند الدخول إلى حمص، يقف تمثال آخر لـ”حافظ الأسد”، بحجم معقول جدا بالمقارنة مع ذلك المنتصب على جانب الطريق السيار، وأخيرا” نقطة تفتيش”، ولكن مع أمر مثير للشفقة: بضع أكياس من الرمل على جانب الطريق (لكنها لا تسده)، بعلو متر واحدـ وعلم مغروس عليها، وصورة الرئيس السوري بشار الأسد موضوعة بجانبه (مع باقة صغيرة من الزهور البلاستيكية).

ثلاثة أو أربعة جنود، من الذين يفترض أن يقيموا نقطة تفتيش، أشاروا إلينا بأن نتوقف: كانت هناك سيارة تنتظرنا على الجانب الآخر الذي سيقودنا إلى موعدنا مع المحافظ. ثلاثة أو أربعة رجال، يرتدون بدلات أو معطف وربطات عنق، كانوا –ربما- مسؤولين أو أعضاء في حزب البعث، سيرافقوننا إلى جميع الأنحاء طوال فترة ما بعد ظهر اليوم في حمص.

لا حرس ليراقبونا، أو يحموننا، أو ليفتحوا لنا الطريق، التي كانت مفتوحة على أية حال: هناك حركة في مدينة حمص في مثل تلك الساعة، ولكن بلا ازدحام في حركية المرور. وعلى الرصيف، مظاهر عادية لمارة وأطفال صغار ويافعين قد يكونون في طريقهم إلى المدرسة.

ترجمة: خالدة مختار بوريجي

Disclaimer: The contents of this article are of sole responsibility of the author(s). The Centre for Research on Globalization will not be responsible for any inaccurate or incorrect statement in this article.