الهوية الوطنية الفرن

أن المتتبع للنقاشات التي تشهدها الساحة الفرنسية لن يجدها الآ نوعا من الهروب الى أمام ورغبة في تحويل الأنظار عن المشاكل الخطيرة التي تعصف بالمؤسسات الفرنسية مثل العجز المتفاقم للميزانيات العامة وإفلاس نخبة معينة وحصانتها الغريبة من كل محاسبة، من تهرئ النسيج الاجتماعي وخضوع الصحافة، الى سطحية النقاشات العلنية الداخلية للأحزاب والنخر الذي تعرفه حلقات القرار والذي تشهد له خسارة فرنسا في ديسمبر الماضي لعقد مع دبي قيمته أربعون مليار دولار لحساب شركة أمريكية-كورية جنوبية رغم الدعاية الإعلامية الواسعة التي قام بها نيكولا سركوزي.

أن أعادة تسويق موضوع صغير واحد هو النقاب وتفرعاته من الحجاب والبرقع والجوامع والدور الايجابي للاستعمار يشبه هروب الى أمام لإخفاء وطمس ما هو أساسي مثل دين الشرف الذي يتوجب على فرنسا بحق مهاجريها لدفاعهم عن استقلالها مرتين في قرن واحد وكذلك لمشاركتهم في الإشعاع الفرنسي ومكانتها في العالم. ان العمل الملائم والناجع والذي يجب ان يكون من الأولويات ، هو العمل على تفكيك الأساطير المؤسسة للعظمة الفرنسية وليس أذكاء الحماسة العنصرية والإدعاء بأنها من أجل الصالح العام. أن الهوية الوطنية الفرنسية تبدأ بقراءة صريحة لتاريخ فرنسا على أساس الاعتراف الملموس وغير الرومانسي لتاريخ فرنسا بقبول المكونات المختلفة وأخذها بنظر الاعتبار وعدم القذف بالفرنسي من أصول عربية ومسلمة.

أن مثل هذه النقاشات لن تتعدى ان تكون مناظرات نرجسية بين فرنسا ونفسها في استعراض أمام العالم أجمع وبأسم الاستثناء الفرنسي بدل ان تكون مناقشات حول موقع فرنسا في محيطها الطبيعي للامتداد وهو الفرانكوفونية، رهن أشعاعها ومبرر لمكانتها كقوة عظمى وكعضو دائم في مجلس الأمن. أن مثل هذه المكانة التي لا تحلم بها فرنسا بسبب تاريخها خلال الحرب العالمية الثانية،قد حصلت عليها بسبب إمبراطورية مستعمراتها وراء البحار والى الأجواء السياسية العالمية المتمثلة بسياسة الكتلتين والحرب الباردة بينهما.

يبدو أن ضيق الصدر السياسي كبير وهو ربما بمستوى الفعل الاستعماري، لكن الأمل هو ان تكون سنة 2010  المقرر اعتبارها سنة أفريقيا في فرنسا فاتحة لرد الاعتبار لمشاركة <<مشاة الجمهورية>> المساهمين في تألق فرنسا من القوات الأفريقية في مناسبة استعراض 14 تموز السنوي.

أن الأستثاء الفرنسي هو حالة فريدة تعاش كحالة من الحصانة لا يمكن المساس بها،خصوصية تعاش كتمويه حتى لو لم يرق ذلك لحاشية مثقفي السلطة. فرنسا هي البلد الأول الذي أسس للرعب كطريقة حكومية مع مكسمليان روبسببر والثورة الفرنسية وهي أول من أفتتح القرصنة الجوية عام 1955بخطف طائرة قادة حركة التحرير الجزائري << احمد بن بيلا ومحمد قادر ومحمد بوضياف وكريم بلقاسم>> معطية بذلك المثل لمناضلي العالم الثالث في نضالهم من اجل التحرير.

أن التكرار هي سمة الاستثناء الفرنسي.هذا البلد اليعقوبي، المساوي والمتساو سيتفرد أيضا بكونه البلد الوحيد في العالم الذي شرع  لل << الغوبينية-الداروينية التشريعية>> بوضع مادة في القانون << نظرية عدم المساواة بين الأجناس>> هذه المادة معمول بها دون تمييز ليس لتسهيل المساواة وإنما للتفرقة. ان بلد حقوق الإنسان ومختلف القوانين التشريعية الحديثة من القانون المدني وقانون العقوبات هو في الحقيقة بلد التشريع التجريمي والقوانين الصارمة والقاسية، أنه بلد <<القانون الأسود>> الخاص بالعبودية أبان العهد الملكي وبلد قانون << السكان الأصليين>> في الجزائر في العهد الجمهوري والذي وضع موضع التنفيذ مع أقامة << المعارض الأثينية>> هذه المعارض <<حدائق الإنسان>> المدجنة والمعروضة لكي تتأسس في المخيلة الجماعية فكرة وعقدة الدونية الدائمة لدى الشعوب الملونة في مقابل فوقية وأفضلية للجنس الأبيض..كما لو ان الأبيض ليس لونا، حتى لو ان أصحابه لا يعيشونه كنقاء وهو أبعد ما يكون عن ذلك بحكم أعمال الخسة لتاريخه.

هل يجب ان نذكر؟ ان أكبر ثلاث شخصيات في القرن العشرين ممن توجو لإسهامهم في النظام الأخلاقي العالمي هي شخصيات من العالم المستعمر : المهاتما غاندي ونيلسون منديلا وأيمي سيزار. أن تكريس ثلاثة دعاة للأعنف هي أهانه مدوية للدول الغربية بطابورها من النازية والفاشية والتوتالياتارية والعبودية. رغم الألم الذي يمكن ان تصاب به الكرامة الوطنية ،يجب القول ان فرنسا هي البلد الكبير الوحيد بين الدول الأوربية الذي اقترف كارثتين من كوراث الغرب في العصر الحديث-الميول الإجرامية لأوربا الديمقراطية- وهي التجارة بالعبيد وأباده اليهود،بعكس بريطانيا التي مارست تجارة العبيد ولم تشارك في إبادة اليهود وبعكس ألمانيا التي ابتدعت وخططت للحل النهائي للمشكلة اليهودية لكن دون مشاركة مهمة في الاتجار بالعبيد.

هل الواجب في قول الحقيقة ، وفقا للتحليل العنصري، اذن تهريجا يشبه <<دموع الرجل الأبيض>> ؟ أم هو فعل شجاعة أخلاقية للسلامة العامة؟

ان الخطأ أنساني لكن تكراره شيطاني. يجب التذكير من اجل الوقاية بان الهوية الفرنسية كانت فيشية في عهد الماريشال بيتان وغالبية الشعب الفرنسي يجد نفسه فيها بينما كان <<عبيد>> الجمهورية يحاربونها بشراسة. أن الهوية الفرنسية بشرفها وعظمتها تعاش وتبرز في <<الدور الايجابي>> للاستعمار مع الدكتور البرت شوتيتزر دو لامامبارنيه –الغابون-وفي 955,491  جندي استعماري من مستعمرات وراء البحار ممن حارب من اجل فرنسا خلال الحربيين بينهم 13,000 من <<السكان الأصليين>> -الجزائريين-الذين سقطوا في ساحات الشرف، سقوا والى الأبد أخاديد فرنسا بدمهم << غير النقي>>.هذا العدد الأخير من سكان المستعمرات ممن ماتوا يمثلون ثلاث مدن فرنسية مثل فيترول واورنج ودرو هي قلاع الجبهة الوطنية دون ان يكون هناك كلام عن <<حدود مسموح بها>> ولا حتى أختبار جيني او<< وثيقة للعار>> بل حتى لدم يراق ولا منع باسم المناهضة للعنصرية من قبل الإتحاد الأوربي الذي يعرف كيف يسارع بوضع أحزاب التحرير في الشرق الأوسط على لائحات الإرهاب .

ان الهوية الفرنسية تعاش او يصرح بها في << امتياز ارض فرنسا>> متى سمح لكل <<عبد >>من اللجوء اليها لحظة تطأ قدمه أرضها ، وليس فرنسا << فينوس هيتنتوت>> وليس فرنسا << الحدائق البشرية>>، وغالبا في فرنسا فالمي وبون داركول وليس فرنسا إغراق الأسطول الفرنسي في طولون او الحملة العقابية للسويس. في فرنسا الحرة وليس فرنسا سطيف-الجزائر- وتياروا-السنغال-. في فرنسا المبادئ الجمهورية وليس في الملاجئ الكوزموبوليتية التي تحتقر الالتزام السياسي. في جان مولن وليس في موريس بابون، في <<عبيد>> تنظيم مانوكيان، من حملة شعار المقاومة وليس في فرنسا الفيشيه المتواطئة مع النازية ، في -غي موكيه- وليس مع الواشي به وزير داخلية تلك الحقبة ومرشديه من البوليس الفرنسي وكلاء الجلادين الألمان. في الجنرال جاك باريزي دو لا بولادير ضمير الجيش الفرنسي خلال حرب الجزائر وليس الجنرال بول أوساريس جلاد المقاومين الجزائريين، في عالم الرياضيات موريس أودون وحامل الحقيبة للمجاهدين الجزائريين، في فرانسيس جينسون وليس حامل كيس الطحين للكاميرات والأضواء برنار كوشنر وزير الخارجية الحالي داعم الديكتاتوريات الأفريقية الكريمة ومليشيات الأكراد المملؤة جيوبها من مليارات نهب نفط العراق وشعبه وغرامها للصهاينة المحتلين لأرض فلسطين ومهندسي تدمير ارض الرافدين. في فرنسا خطاب فنوم بنه مع الجنرال ديغول وكانكون مع ميتران وليس في خطابات دكار حول الإنسان الأفريقي –نيكولا ساركوزي- وخطاب تونس حول الاختلافات العرقية في العمل بين الفرنسيين والعرب في محيط المتوسط-نيكولا ساركوزي- .

في فرنسا الجمال اللغوي بفولتير الثوري وايمي سيزار وفرانس فانون وليبولد سينغور وكاتب ياسين الذين يحملون الإشعاع الفرنسي وليس في << أذهب ايها الغبي>> جملة سركوزي الشهيرة في معرض الزراعة السنوي يرد على مواطن فرنسي رفض مصافحته، والرطانة غير المحبوبة لنادين مورانو وزيرة ساركوزي وتصرفاتها غير الجمهورية إزاء الفرنسيين من أصول مسلمة وعربية .

في فرنسا الراهب بيار وليس في فرنسا ايريك بيسون وبريس اورت فو أصحاب الجمل العنصرية بحق مواطنيهم.

ان القراءة السياسية لرسالة الشاب الفرنسي الشيوعي غي موكيه الذي اعدم على أيد النازيين ستكون ذوو قيمة تربويه لو صاحبها أدانه للجلادين ومنهم البوليس الفرنسي،قاعدة السلطة الأثنية للرئيس الحالي.لكن ما حدث هو مجرد عمليه تزوير للتاريخ ومحاولة لأستماله ديماغوجية وسرقة للذاكرة.

ان المناقشات حول الهوية ستكون اكثر وضوحا لو لم يكن الخلط حاصل في أعلى مستوى للدولة، من القاضي الفرنسي الأول حينما عين ضابط احتياط في الجيش الإسرائيلي آرنو كراسفيلد في منصب المستشار في أوج الحرب الإسرائيلية المدمرة على لبنان -2006- او بتكليف مسؤول من منظمة اللجنة الأمريكية اليهودية فاليري هوفنبرج لمتابعة المفاوضات الإسرائيلية –الفلسطينية <<< لحساب فرنسا>>> .أن رئيسا يشغل مخيلته بالخراف التي تذبح في حمامات القصور الملكية العربية ،آخذا المبادرة بتشويه سمعة عنصر من عناصر الشعب لأسباب مبطنة تخص الانتخابات يستمر في نهج الخطاب السياسي الفرنسي الثابت في مثل هذه الإيحاءات دون الاهتمام بإمكانية ان يفتح ذلك الطريق الى انحرافات فاشية في التصرف السياسي.

يخطئ كتاب السراي حتى لو لم يعجبهم ذلك فالأذرع السمراء موجودة ومستقرة في المشهد السياسي والاجتماعي الى الأبد في بلدها فرنسا. هم الذين لم يحتفل رسميا ب << دورهم الايجابي>> الا بطريقة عرضية اذا لم تكن وببساطة منكرة او مختلف عليها.

هذه الشعوب السمراء الفرنسية والتي لم تعد فرنسا بلد استقبالهم بل بلد الاختيار مصممة عن الدفاع عن الفكرة العالية التي يحملونها عن فرنسا والتي تريد فرنسا نفسها تقديمها للعالم.

لو ان فرنسا بسكانها قد فتحت بشكل واسع وعلى أساس المساواة في الحقوق فهي لن تقوم بمسعى  أكثر جرأة مما تقوم به الولايات المتحدة والذي بفضله لم تبقى مقاطعة صغيرة في العالم الأنكلو ساكسوني بشهادة نبؤءة كلود ليفي شتراوس عندما تناول مشكلة بعد الاستعمار عام 1955 التي يناقشها المجتمع الفرنسي منذ نصف قرن ولحد الآن.

ان العقلانية الديكارتية رمز التفوق للذكاء الأثيني والنظام الروماني قد أولدت بشاعات في لحظات غفلتها. ليس هناك بلدا في منأى عن مثل هذه الانحرافات أمام متغيرات التاريخ الكبرى . لكن عدم العرفان هنا يمر ليصبح قانونا أساسيا للشعوب من اجل استمرارها بالعيش.ان الاستثناء الفرنسي المدعى به من أمة تقول بالعظمة تتعارض مع ثقافة الحصانة من العقاب والحساب والعفو ، أن عقيدة حكومة مشيدة على شكل ثقافة تحت هذا العنوان لا تتوافق مع واجبات القيادة ومتطلبات المثالية .

ان اي منشغل بوضع فرنسا من الفرنسيين الأصليين او ممن اختار هذا البلد يتوجب عليه ان يقوم بهذا الكشف من أجل السلامة العامة. فما هو صحيح ان تاريخ اليوم هو ذاكرة الغد وبأن من الضروري كشف التجاوزات الحالية بنشاط لتجنب ذكريات مؤلمة في<< ذاكرة>> المستقبل.

رينييه نبعة

ولاء سعيد السامرائي

08/03/2010


Comment on Global Research Articles on our Facebook page

Become a Member of Global Research


Articles by: René Naba

About the author:

Journaliste-écrivain, ancien responsable du Monde arabo musulman au service diplomatique de l’AFP, puis conseiller du directeur général de RMC Moyen-Orient, responsable de l’information, membre du groupe consultatif de l’Institut Scandinave des Droits de l’Homme et de l’Association d’amitié euro-arabe. Auteur de “L’Arabie saoudite, un royaume des ténèbres” (Golias), “Du Bougnoule au sauvageon, voyage dans l’imaginaire français” (Harmattan), “Hariri, de père en fils, hommes d’affaires, premiers ministres (Harmattan), “Les révolutions arabes et la malédiction de Camp David” (Bachari), “Média et Démocratie, la captation de l’imaginaire un enjeu du XXIme siècle (Golias). Depuis 2013, il est membre du groupe consultatif de l’Institut Scandinave des Droits de l’Homme (SIHR), dont le siège est à Genève et de l’Association d’amitié euro-arabe. Depuis 2014, il est consultant à l’Institut International pour la Paix, la Justice et les Droits de l’Homme (IIPJDH) dont le siège est à Genève. Depuis le 1er septembre 2014, il est Directeur du site Madaniya.

Disclaimer: The contents of this article are of sole responsibility of the author(s). The Centre for Research on Globalization will not be responsible for any inaccurate or incorrect statement in this article. The Centre of Research on Globalization grants permission to cross-post Global Research articles on community internet sites as long the source and copyright are acknowledged together with a hyperlink to the original Global Research article. For publication of Global Research articles in print or other forms including commercial internet sites, contact: [email protected]

www.globalresearch.ca contains copyrighted material the use of which has not always been specifically authorized by the copyright owner. We are making such material available to our readers under the provisions of "fair use" in an effort to advance a better understanding of political, economic and social issues. The material on this site is distributed without profit to those who have expressed a prior interest in receiving it for research and educational purposes. If you wish to use copyrighted material for purposes other than "fair use" you must request permission from the copyright owner.

For media inquiries: [email protected]